Menu

السياق التاريخي لقضية اللاجئين الفلسطينيين والأخطار التي تهدد حق العودة

عليان عليان

نُشر هذا المقال في العدد 14 من مجلة الهدف الرقمية

تعرض حق العودة للاجئين الفلسطينيين منذ صدور قرار الأمم المتحدة رقم 194 في 11-12-1948، إلى أخطار كبيرة تستهدف شطبه، وقد لعبت الأمم المتحدة آنذاك دوراً كبيراً في ذلك من خلال (أولاً) تجاوزها للشرط الخاص بقبول (إسرائيل) كعضو في الأمم المتحدة، ألا وهو تنفيذها القرار 194، ذلك الشرط الذي رفضت (إسرائيل) تنفيذه في مؤتمر لوزان، في آذار 1949، الذي عقد لهذا الغرض وأوصى بعودة 900 ألف لاجئ فلسطيني.

لقد وافقت (إسرائيل) وبتوجيه من الولايات المتحدة على الاعتراف بالقرار 194، من زاوية تكتيكية لتضمن الاعتراف الدولي بها، لكن الأمم المتحدة وأمينها العام آنذاك لم يحركا ساكناً حيال تنكر الكيان الصهيوني لتطبيق القرار.

(وثانياً): حذف الأمم المتحدة لقضية فلسطين من جدول أعمال الأمم المتحدة آنذاك، بوصفها قضية شعب شرد من وطنه، نتيجة سطو صهيوني مسلح وتواطؤ أنجلو- أميركي مع المشروع الصهيوني، في سياق مخطط مدروس منذ صدور وعد بلفور، وتطبيقاته في السياق الإجرائي عبر صك الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922. وقد جرى تحويل هذه القضية إلى قضية لاجئين إثر صدور قرار من الأمم المتحدة في 8 كانون أول 1949، بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؛ إذ إنه بالتنسيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأمم المتحدة، تم حذف قضية فلسطين من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستبدالها ببند يحمل عنوان "التقرير السنوي للمفوض العام لوكالة غوث اللاجئين".

لقد عملت الإدارة الأميركية آنذاك من خلال نفوذها في الأمم المتحدة على توطين اللاجئين الفلسطينيين وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، رغم موقفها الشكلي بالموافقة على القرار 194.. في مواجهة استمرار طرحه في الجمعية العامة للأمم المتحدة وصدور (13) قراراً عنها ما بين عام 1950 وعام 1963 تؤكد على الفقرة 11 من القرار 194.

(وثالثاً): كما أن الأمم المتحدة وبتسهيل من الإدارة الأميركية غضت النظر عن قضية تهجير الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم في مناطق 1948 من قبل الكيان الصهيوني، الذي عمل على سلب ممتلكاتهم ومصادرتها وطردهم من قراهم، وبلغ عددهم حسب تقديرات مختلفة 250 ألفاً، وحيث فقد الفلسطينيون الموجودون في الكيان الصهيوني الذين يتجاوز عددهم الآن ما يزيد عن مليون وأربعمائة ألف نسمة، ما يزيد عن 70 في المائة من أراضيهم.

مشاريع التوطين

لقد عملت الإدارة الأمريكية ومن خلال نفوذها في الأمم المتحدة عام 1948 على توطين اللاجئين الفلسطينيين وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، رغم موقفها الشكلي بالموافقة على القرار 194، الذي جرى التأكيد عليه أكثر من 160 مرة منذ صدوره وحتى توقيع اتفاقات أوسلو في أيلول 1993.

وعلى امتداد الفترة منذ عام 1948 وحتى عام 1974، لم تطرح سوى مشاريع التوطين لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ سواء من قبل وكالة الغوث (الأونروا) أو من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، نذكر منها ما يلي:

مشاريع الأونروا 1952-1954.. مشاريع دالاس 1953-1956.. مشاريع جونستون 1955-1961،.. مشاريع أيزينهاور 1957-1958..مشروع أيدن 1955.. مشروع همرشولد 1959. وقد تم إفشال هذه المشاريع جميعها؛ بسبب رفض الشعب الفلسطيني لها، رغم أن بعض القوى الإقليمية أبدت استعداداً لقبولها.

الثورة الفلسطينية رافعة لحق العودة

رغم نكسة 1967 ومرارتها؛ إلا أن مؤشرات ايجابية بدت تلوح في الأفق لوضع قضية اللاجئين الفلسطينيين في إطارها السياسي والقانوني الصحيح، بوصفها جوهر الصراع الفلسطيني _ الصهيوني ولب القضية الفلسطينية.

وقبل أن نتوقف أمام هذه المؤشرات تشير الى إن قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي تضمن في جوهره من ناحية نظرية الاعتراف الرسمي العربي (بإسرائيل)،  وأعطى شرعية زائفة للكيان الصهيوني على 78 في المائة من فلسطين التاريخية، متجاوزاً المساحة المخصصة له في قرار التقسيم، أكد لأول مرة على تحقيق تسوية عادلة لقضية اللاجئين، لكن دون الإشارة لقرار 194؛ الأمر الذي يخضع قضية عودة اللاجئين للمساومة، مع ضرورة الإشارة هنا إلى ملاحظة تستدعي التوقف أمامها، وهي أن القرار 242 أشار إلى حل عادل لقضية اللاجئين دون أن يقرنها بكلمة "فلسطينيين". وقد تمثلت المؤشرات الايجابية بما يلي:

  1. بروز المقاومة الفلسطينية المسلحة كرد على هزيمة 1967، والتي انطلقت بشكل رئيسي من مخيمات اللجوء في الضفة الغربية والقطاع وسوريا ولبنان والأردن... وكان لهذه المقاومة الباسلة الفضل ولأول مرة في إعادة طرح قضية اللاجئين الفلسطينيين بقوة على الصعيد العالمي، حيث اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 2535 في ديسمبر /كانون أول 1969 "أن مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم في وطنهم، الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
  2. التأكيد على هذه الحقوق في قرارات لاحقة للأمم المتحدة نذكر منها: القرار 2628 في تشرين ثاني 1970، القرار 2672 في كانون أول 1970، القرار 2787 في كانون أول 1971، القرار 2949 في كانون أول 1972، القرار 3089 في كانون أول 1973.
  3. مع اكتساب م.ت.ف صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من قبل الجامعة العربية وقبولها كعضو مراقب في الأمم المتحدة ودعوتها لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، أصبح من الممكن إعادة الاعتبار لقضية فلسطين كقضية شعب له حقوقه الوطنية المشروعة، وأن قضية اللاجئين جزء لا يتجزأ من هذه الحقوق غير القابلة للتصرف... حيث تجلى ذلك في قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 3236 الصادر بتاريخ 22/11/1974، الذي جاء فيه في البند (2) ما يلي: "ونؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم الذين شردوا منها واقتلعوا منها وتطالب بإعادتهم". ومنذ ذلك التاريخ باتت قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية حق عودة فردي وجماعي لكل الفلسطينيين خارج وطنهم.

الأخطار التي تهدد حق العودة

  1. اتفاقات أوسلو (1993):

لقد جرى النكوص عن حق العودة، بشكل كبير وخطير إثر توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، والدخول في دهاليز التسوية التي جرى التمهيد لها مبكراً في منتصف سبعينيات القرن الماضي في برنامج النقاط العشر، والمسمى زوراً بالبرنامج المرحلي، وفي اتفاق عمان في شباط 1985، وفي مبادرة السلام الفلسطينية الناجمة عن الدورة (19) للمجلس الوطني الفلسطيني، حيث شكلت اتفاقات أوسلو خطراً كبيراً على قضية حق العودة، من خلال ترحيل قضية اللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي دون إسنادها بالقرار 194.

وقد بات واضحاً ومعلناً أن المرجعية القانونية لاتفاق أوسلو الموقع بين الكيان الصهيوني وبين منظمة التحرير، هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وقرار رقم 338، وذلك انسجاماً مع إطار مؤتمر مدريد التفاوضي، كما ورد صراحة في ديباجة الاتفاقية الفلسطينية- الإسرائيلية المرحلية، حول الضفة والقطاع الموقعة في واشنطن في 28- 9- 1995. لقد انطوى القرار 242 على خطورة كبيرة فيما يتعلق بقضية فلسطين، حيث خلا من أي عنصر من عناصر التسوية العادلة وتعامل مع نتائج حرب 1967، على حساب القضية الأساسية.

وقد رفض المجلس الوطني الفلسطيني هذا القرار في دوراته المتعاقبة حتى الدورة 19، إذ إنه يضع حداً لاستمرارية قانونية قرار التقسيم رقم 181، وهو القرار الذي يجري الاستناد إليه في مطالبة الكيان الصهيوني للعودة الى الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة، ولا يعترف القرار 242 إلا بخطوط الهدنة التي رسمت عام 1949، وهذا ما تصر عليه أمريكا باعتباره أساساً وحيداً للتسوية. 

  1. التراجع الأمريكي عن قرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار 194:

إذ إنه وفي دورة الجمعية العامة الخامسة بنهاية عام 1995 لوحظ امتناع الولايات المتحدة عن التصويت عليه، واعتراض الكيان الصهيوني على هذا القرار. كما طالبت الولايات المتحدة بإعادة النظر في كافة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية الشرق الأوسط ما دامت هذه القضايا احيلت إلى المفاوضات، ومن ضمنها قضية اللاجئين، بحجة أنه من الأفضل عدم استباق الأحداث والتأثير على المتفاوضين.

  1. مشاريع تفريطية بحق العودة مرتبطة باتفاقات أوسلو:

 لقد فتحت اتفاقية أوسلو الباب أمام مشاريع تفريطية متعددة بحق العودة، وتطرح بدائل التوطين والتأهيل، مثل: خطة سري نسيبة- أيلون، وخطة خارطة الطريق (2003) وغيرهما.

 وتوضح المرحلة الثالثة من خطة خارطة الطريق حجم التآمر على حق العودة؛ إذ تتضمن حلاً متفقاً عليه عادلاً ومنصفاً لمسألة اللاجئين، بدون أي اشارة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

  1. وثيقة جنيف 2003:

 وهي الوثيقة التي وقعها ياسر عبد ربه -عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير آنذاك ياسر عبد ربه- على رأس وفد فلسطيني بشكل غير رسمي، مع وفد صهيوني برئاسة يوسي بيلين، وشكلت قمة التآمر على حق العودة واستبداله بالتوطين والتعويض والتأهيل.

  1. مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002:

انطوت المبادرة على نص مساوم على قضية حق العودة على نحو "حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194"؛ إذ أن عبارة "متفق عليه" تعني أن يخضع هذا الحق للمساومة، وأن يكون الكيان الصهيوني طرفاً في هذه المساومة وغيره من الأطراف.

  1. موقف رئيس السلطة الفلسطينية من حق العودة:

ورغم أن بيانات المجلس الوطني الفلسطيني تؤكد على حق العودة؛ إلا أن سلوك قيادة المنظمة والسلطة يناقض ذلك، فرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن – رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير - أدلى بعدة تصريحات، وكذلك خلال لقاءات مع طلبة إسرائيليين، بأنه لا يريد العودة إلى مسقط رأسه في مدينة صفد، وأنه لا سيسعى لإغراق (إسرائيل) بملايين اللاجئين الفلسطينيين. وفي الخطاب الذي ألقاه في جلسة افتتاح ما يسمى بمنتدى الحرية والسلام الفلسطيني في مقر السلطة في مدينة رام الله بتاريخ 7  شباط – فبراير 2019، الذي ضم شخصيات فلسطينية وإسرائيلية، أعلن بأنه لن يسمح بعودة (5) ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم مكذباً ادعاءات الإعلام الإسرائيلي بهذا الصدد. وقال بالحرف الواحد "نحن لا نسعى ولن نعمل على إغراق إسرائيل بالملايين.. هذا هراء.. نحن نعمل من أجل مستقبل شباب إسرائيل ونقدر حساسية إسرائيل تجاه الأمن، وخوفها من المستقبل والتطرف.. ونقبل بحلف الناتو ليقوم بمهمة تأمين الأمن للطرفين، ونتمسك بكل اتفاقاتنا الأمنية لمواجهة خطر الإرهاب".

7-صفقة القرن:

جاءت صفقة القرن الصهيو أميركية السعودية، التي استثمرت الكم الهائل من التنازلات في اتفاقات أوسلو، لتعلن بوضوح عن شطب حق العودة، والدخول  في سياق إجرائي لتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين في إطار تصفية القضية الفلسطينية، تمثل بوقف الولايات المتحدة المساعدة السنوية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا) المقدرة ب( 360) مليون دولار، وباتت الولايات المتحدة تضغط بشكل متصل على الدول المانحة، وخاصةً الدول الخليجية لوقف دعم وكالة الغوث وتجفيف مصادر دعمها..